لِمَ يا ترى لم تنتفع الأمّة الإسلامية بشعائر الحجّ؟ وكيف أصبح أبناؤها أعداء يضرب بعضهم رقاب بعض؟ فالعيب أنّهم متفرّقون شِيَعًا وأحزابًا ينهضون بالعصبية فيقتلون ويُقتلون عليها وأنّهم رعية بلا إمام يحكم فيهم نهج الله القويم.. ألَم يعلموا أنّ النّصر من عند الله وأنّه يقتضي وحدة الصّف ووحدة الاعتقاد وصفاء الضّمير وإخلاص النّية، ويقتضي الطّاعة واليقظة والدقة في التّدبير والسُّرعة في الإنجاز وتوحيد القيادة خاصة؟ وما انتصر سيف الله خالد بن الوليد في وقعة اليرموك على جيوش الروم وفي شهر رمضان المبارك إلاّ بهذه المعطيات التي صارَت تشهد له ولأمثاله على مدى التاريخ...
جاء في معجم البلدان للإمام ياقوت الحموي رحمه الله عن هذه الوقعة المباركة ما نصّه: ”اليرموك واد بناحية الشام في طرف القور يصبّ في نهر الأردن ثمّ يمضي إلى البحيرة المنتنة. كانت به حرب بين المسلمين والروم في أيّام أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه. وقدّم خالد الشام مددًا لهم فوجدهم يُقاتلون الروم متساندين كلّ أمير على جيش، أبو عبيدة على جيش ويزيد بن أبي سفيان وشُرَحْبِيل بن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش. فقال خالد: إنّ هذا اليوم من أيّام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي فأخلصوا لله جهادكم وتوجّهوا لله تعالى بعملكم، فإنّ هذا يوم له ما بعده فلا تُقاتلوا قومًا على نظم وتعبئة وأنتم على تساند وانتشار فإنّ ذلك لا يحلّ ولا ينبغي، وأنّ من وراءكم لو يعلَم عملكم حال بينكم وبين هذا. فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنّه هو الرأي من واليكم، قالوا: فما الرأي؟ قال: إنّ الذي أنتم عليه أشدّ على المسلمين ممّا غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم، ولقد علمتُ أنّ الدّنيا فرقت بينكم والله، فهلموا فلتتعاون الإمارة، فليكن علينا بعضنا اليوم وبعضنا غدًّا والآخر بعد غد حتّى يتأمّر كلّكم، ودعوني اليوم عليكم. قالوا: نعم، فأمّروه وهم يرون أنّها كخرجاتهم، فكان الفتح على يد خالد يومئذ. وجاءه البريد يومئذ بموت أبي بكر رضي الله عنه، وخلافة عمر رضي الله عنه وتأمير أبي عبيدة على الشّام كلّه وعزل خالد. فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته ووَكّل به مَن يمنعه أن يخبر النّاس عن الأمر لئِلاّ يضعفوا إلى أن هزم الله الكفار قتل منهم فيما يزعمون ما يزيد على مائة ألف، ثمّ دخل على أبي عبيدة وسلّم عليه بالإمارة وكانت من أعظم فتوح المسلمين وباب ما جاء بعدها من الفتوح”.
kaheel7.com