تصوير: (ح.م)
61
لعلّه من المناسب ونحن لم نزل نعيش تداعيات الإساءات المتكرّرة إلى خير خلق الله، أن نعود في هذه الأسطر 1422 سنة إلى الوراء، لنقضي لحظات لعلّها تكون من أنفع اللّحظات مع خاتم الأنبياء وإمام المرسلين وسيّد ولد آدم أجمعين، في أيام حياته الأخيرة، أيام لخّصت حياته، وأبانت عن حقيقة الرّوح الطّاهرة التي كان يحملها بين جنبيه، وعن قمّة النّبل البشريّ الذي بلغه رجل عاش في دنيا النّاس؛ سعِدت الأرض حين أظلّته، وسرّت السّماء يوم أقلّته. تعطّرت أنفاسٌ خالطت أنفاسه، واكتحلت بالنّور أعين حظيت برؤية طلعته التي كانت أبهى من طلعة القمر ليلة البدر، رجل لم يكن يعيش لنفسه، ولم يكن يحمل همّ الجيل الذي بعث فيه فحسب، وإنّما عاش للبشرية جميعا، وحمل همّ الأجيال التي ستأتي بعده؛ لأنّه خاتم الأنبياء ولا نبيّ بعده.
فما أروع أن نعود إلى الوراء لنعيش مع هذا الرّجل -الذي كان طفرة في عالم البشر- أيامَ حياته الأخيرة؛ أيام وعظ فيها فأبكى، ونصح فيها فأوفى ووصّى فيها فأبلغ، وودّع فيها فأسال دماء القلوب قبل أن يسيل مياه العيون .
الحبيب تُنعى إليه روحه قبل 03 سنوات من رحيله
في السّنة الثامنة للهجرة تحقّق وعد الله تبارك وتعالى لنبيّه الكريم بفتح مكّة آمنا غانما، وأقام فيها ما شاء الله له أن يقيم، وجاءته الوفود مسلمة مذعنة، ودخل النّاس في دين الله أفواجا، ونزلت عليه آيات سورة النّصر التي قرأ بين كلماتها أنّ روحه قد نعيت إليه.
عاد صلوات ربّي وسلامه عليه إلى مدينته ومهد دولته التي انطلقت منها مشاعل النّور والهداية إلى شتى أصقاع المعمورة، واستمرّ يبعث البعوث ويرسل السّرايا لإخراج البشريّة من ظلمات وذلّ العبوديّة لغير الله إلى نور وعزّ العبوديّة لله وحده.
وفي السّنة العاشرة للهجرة قبل عام من رحيله عن هذه الحياة، بعث صلوات ربّي وسلامه عليه معاذ بن جبل إلى اليمن يعلّم أهلها دين الله، وكان ممّا قال له: ( يا معاذ!. إنّك عسى ألاّ تلقاني بعد عامي هذا، ولعلّك أن تمرّ بمسجدي هذا وقبري ). كلمات نزلت كالصّاعقة على قلب معاذ رضي الله عنه، تمنّى لو يبقى مع نبيّ الله عليه الصّلاة والسّلام ولا يفارقه أبدا، لكنّه أمر الله ورسوله.
كلمات الوداع تقرع الأسماع في حجّة الوداع
wassitalkhir.com